سورة إبراهيم - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


الملة: الدين والشريعة. استفتحوا: طلبوا النصر. كل جبار عنيدك كل عال متكبر معاند. ماء صديد: ماء قبيح الطعم في جهنم. لا يكاد يسيغه: لا يستطيع ان يبلعه. عذاب غليظ: شديد.
بعد أن ذكر اللهُ ما دار من الحِوزار والجَدَل بين الرسُل وأَقوامهم، وبيّن الحججَ المقْنعة التي جاء بها الرسل الكرام، ولم يستطع الذين كفروا ان يردّوا عليها- لم يجودا وسيلةً الا استعمال القوّة مع أنبيائهم، وتلك حجة المغلوب، فخيّروا رسُلَهم بين أمرين: الخرود من الديار، أو العودة إلى ملّة الآباء والأجداد. فأوحى الله تعالى إلى أنبيائه أن العاقبة لهم.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين}.
وقال الطغاة من زعماء الكافرين لما أعْيَتْهُم الحيلةُ، وعجزوا عن مقاومة الدليل.. قالوا لرسلهم: لكم احد امرين، إما أن نُخرجَكم من أرضِنا، أو أن تعودوا إلى عبادةِ الأوثان، ديننا القائم، فأوحى الله إلى رسُله مثبتا لهمك لا تخافوا، سنُهلك الظالمين.
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}.
إننا سنجعلكم تسكنون ارضهم بعد اهلاكهم... هكذا أفعل بمن خاف موقفه بني يديّ يوم القيامة، وخاف وعيد فاتّقاني بطاعتي، فلم يفسد في الأرض، ولم يظلم الناس.
ووقف الطغاة المتجبّرون، ووقف الرسُل المتواضِعون ومعهم قوة الله، ودعا كلاهما بالنصر والفتح، وكانت العقابة للرسُل.
{واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}.
وطلب الرسُلُ على أقوامهم من الله لما يئسوا من إيمانهم، وطلبت تلك الأقوامُ النصر لنفسِها، فنصر اللهُ رسلضه، وخسِر كلُّ جبار متكبر عنيد.
{مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ}.
إن جهنم لذلك الجبَّار الخاسر بالمرصاد، سيصلاها يوم القيامة وشرابُه فيها ماء كريه.
{يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}.
إنها صورةٌ مرعبة وخيبة أمل لهؤلاء الكفار المعاندين، يتجرّعون ذلك الماء الكريه فلا يكادون يستسيغونه لقذراته، وتحيط بهم أسبابُ الموت من كل جهة، وما هم بميتين في جهنم، ولهم عذابٌ مؤلم شديد.


برزوا: ظهروا جميعا يوم القيامة. تبع: جمع تابع. مغنون عنا: دافعون عنا. محيص: مهرب.
{مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ ذلك هُوَ الضلال البعيد}.
مثلُ أعمالِ الكافرين التي كانوا يعملونها في الدّنيا كَمثَلِ رمادٍ حملتْهُ الريحُ في يومٍ عاصف وأسرعتء بالذهابِ به فلم يبقَ له أثر، وهم لا يستفيدون شيئاً يوم القيامة مما عملوا في الدنيا.
{ذلك هُوَ الضلال البعيد}.
ومثل هذا السعي والعملِ على غير أساسٍ ولا استقامة، هو الضلالُ البعيد عن الحق.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض بالحق إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}.
ألم تعلم أيها الرسول أن الله خلقَ السمواتِ والأرضَ لتقومَ على الحقّ بمقتضى حكمته، ومن قَدَرَ على هذا العمل العظيم لهو قادرٌ على إهلاك الكافرين، والإتيان بخلقٍ جديد غيرهم.
{وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ}.
وليس بمتنعٍ على الله ولا متعذِّرٍ ان يستخْلِفَ قوماً مكان قوم من قريشٍ أو غيرهم من المعاندين الجاحدين.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: {خالق السماوات والارض} والباقون {خلق} كما هو في المصحف.
{وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ}.
هذه صورة حيّة لموقف هؤلاء المجرمين وأتباعهم والحوارِ بينهم، فحين يقفون جميعاً بين يدي الله يوم القيامة، يقول الضعفاءُ التابعون للزعماءِ المستكبرين: لقد كُنا تابعين لكم في تكذيب الرسُل ومحاربتهم، فهل تدافعون عنا اليومَ في هذا الموقف الرهيب؟ فيقول المستكبرون: لو أن الله هدانا لأرشدناكم، ولكن ليس بيدِنا أيةُ حيلة، ولي لنا مهربٌ ولا خلاصٌ مما نحن فيه جميعا، وسِيّان الجزعُ والصبر، فلا نجاةَ لنا من عذاب الله.


ما كان لي عليكم من سلطان: من تسلط. ما انا بمصرخكم: ما انا بمغيثكم. استصرخني: استغاثني.
{وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
وجاء دورُ الشيطان، كل عظَمته وحِيَله قد ذهب الآن، وهو يقف موقف الذليل وتنصل من أتباعه. انه يعترف بصراحةٍ أنه كان كذّابا، وعد أتباعه كذباً وزوراً ويتسرسل قائلا: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ}.
ما كان لي عليكم قوةٌ أُجبِركم بها على اتّباعي، لقد دعوتُكم إلى الضلال فأسرعتم إلى إجابتي، فلا تلوموني بِوَسْوَستي ولوموا أنفسَكم لأنكم استجبتم لي.
ثم يتبرأ منهم وتنصّل.
{مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}.
أنا لا أستطيع اليوم ان أُغيثكم، ولا انتم تستطيعون إغاثتي من العذاب.
ثم يتبرّأ من كفرهم وإشراكهم ويكفرُ بهذا الإشراك فيقول: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فأنا لا أقبلُ أن أكونَ شريكاً لله فيما أشركتُموني فيه من قبلِ هذا اليوم، ان الكافرين لهم عذابٌ شديد مؤلم.
ثم لمَّا جَمَعَ الله تعالى الخلْقَ وذكر ما لقيَ الأشقياءُ وصَفَهم بأسوأ حال، ذكر حال السّعاداء، وما أعدَّ لهم من نعيمٍ مقيم في ذلك اليوم فقال: {وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}.
وهكذا يقابل الله تعالى بين حال الأشقياء والسّعداء، ويبيّن ان الذين آمنوا وصدّقوا وعملوا الأعمالَ الصحالة في جنّاته ناعمين مسرورين، خالين فيها على أحسن حالٍ بإذن الله تعالى، تحّيييهم الملائكةُ بالسلام، وهو شعارُ الإسلام.
قراءات:
قرأ حمزة: {وما انتم بمصرخيِّ} بكسر الياء المشددة. والباقون بفتحها. {بمصرخيَّ} كما هو في المصحف.

1 | 2 | 3 | 4